عبدالحليم قنديل: موسى كذوب والبرادعي خواجة و شرف يقود حكومة ثورة مضادة
الاهرام - البهاء حسين
14-7-2011 | 10:53
كنت، وأنا أرى عبدالحليم قنديل فى برنامج " الاتجاه المعاكس" بقناة الجزيرة، أشفق عليه، فالرجل لديه ذخيرة حية من الأفكار لا ينبغى أن تضيع فى حوار طرشان كهذا، أو صراع ديكة. قنديل بجسده القصير المدبب هو نفسه فكرة أكثر منه شخصًا .. فكرة منطوية على ذاتها تقلبت بين الطب والشعر والصحافة واستقرت أخيرًا فى الشارع فأصابته برعشة، بعد أن أصابت رأس النظام بصداع مقيم .
وهو يتحدث عن ضعف نظره استدعيت ذاتى بتنهيدة واحدة، فأنا أيضًا أعانى منذ الطفولة بسبب النظر. كان الرجل بسيطًا وجارحًا وهو يوغل معى فى فهم نقصه. وربما لن تجد شخصًا آخر على استعداد لجرد العهدة بصراحة مطلقة كما يفعل قنديل إنه يتربص بكل شىء من حوله، ليفهمه. وشأن كل الموهوبين الكبار انتدب نفسه ليحارب طواحين الصمت على البلادة لقد نصبه الشارع لسانًا له، وهو، من جانبه، يسن الكلمات ويرسلها، حبرًا أو كلامًا ، بطلاقة رشاش .
وقد ذهبت مع هذا الرجل المستوحد إلى أبعد نقطة فى نفسه، إلى ما يخبئه، وما ألم به من مغامرات، ورأيه فى أناس ماتوا وآخرين ما زالوا على قيد الحياة. والرجل لم يدخر جهدًا ، ليصفى رأيه حتى آخر قطرة. عرفت من ضيقه مقاطعتى له، والواقع أننى حين أقاطع ضيفًا ، بيقظة قنديل، فمعنى ذلك أننى أريد أن أصغى له أكثر.
* من أين نبدأ يا دكتور، حال البلد لا يسر؟
- فى تقديرى أن الثورة المصرية ذاهبة إلى انتصار أكيد أثق فى ذلك تقة مطلقة، لكن الطرق فى التاريخ غير الطرق فى الخيال، الطرق فى التاريخ غالبًا ما تكون متعرجة تأمل منبع النيل فى أثيوبيا ستجد الحركة صاخبة ومختلطة، حركة نزول الماء، لكن سرعان ما يستقيم عود النيل، ويشق لنفسه مجرى فيصبح النيل نيلًا لا فوضى. مصر الآن فى مرحلة النبع .
* إلى كم من الوقت تحتاج الثورة ليستقيم عودها ؟
- أتصور أن مصر بحاجة إلى مدى قد يصل إلى 3 سنوات، لتتضح الصورة
* هناك مجتمعات تشعر من تعاملها مع زلزال كالثورة أنها استعدت سلفًا لحدث كهذا، لكن بالنسبة لنا، ربما لطول عهدنا بالرقاد، لم نستعد؟ لا النخبة ولا الشارع ولا الأحزاب ؟
- أنا لا أفضل تعبير النخبة، لأنه غير محدد، ثم لأنه ينطوى على قدر عظيم من الخداع. المهم أن مصر فيها خزانات غضب تكفى لصنع ألف ثورة، وهى بالكاد صنعت ثورتها الأولى. لكن ترقبوا ثورات أخرى. هذا الكلام قلته قبل وبعد الثورة. يسمى البعض ما يشهده الشارع المصرى الآن بموجة ثانية من الثورة وأسماء أخرى. ليس هذا هو المهم. المقرر ما زالت به ثورات أخرى وجع مصر عظيم جدًا ، لكن لحظة الاختناق التى نمر بها الآن سنجتازها. أنت لديك دراما هائلة بلا قيادة استعانت بصديق هو المجلس العسكرى، وحساسية الصديق ليست كحساسية اللصيق. هذه الفجوة تصنع هذا التباين بين الموقفين وبين السقفين. سقف المجلس العسكرى كان منخفضًا قصاره هو إزالة سيناريو التوريث. شخوصًا وموادًا فى الدستور بينما سقف الثورة بدا أوسع نطاقًا فجرف هذا التواضع واجتمع به فى جمعة 8 أبريل على محاكمة مبارك، لكن فى جمعة 8 يوليو بدا التوتر بين الأصيل والوكيل أكثر ظهورًا ، ولذلك نلحظ هذا التباطؤ ، حتى فى الاستجابة نحن بصدد أزمة تمر بها الثورة منذ استقرار أمرها .
* وجد المجلس نفسه مضطرًا إذن لقبول هذا الوضع ؟
- هذا المجلس، ليس مجلسًا لقيادة الثورة لنكن واضحين. هو يقود مؤسسة محافظة بطبيعتها، لا مؤسسة ثورية. هنا كان المجلس محكومًا بقدرين : الوضع التاريخى للجيش المصرى، وهذه تقاليد مؤثرة جدًا . الجيش المصرى ليس كتائب خميس. الجيش طول عمره كان إما مفجرًا لثورات أو مساندًا لثورات والقدر الآخر أنه لا يوجد جنرال فى الجيش المصرى قادر على إصدار أوامر بقتل المتظاهرين. إذا قلنا إنه يؤدى واجبه وهذا اختياره، لنقل ذلك، لكننا نستطيع أن نقول بنفس الثقة بأنه إجبار، بقدر ما هو اختيار الشىء الآخر الذى حكم موقف الجيش أن الثورة السائلة أو الدراما قفزت فوق حتى ما كان يقدره للترك المطلوب. لم يكن لدى المجلس العسكرى مانع من أن يستمر مبارك حاكمًا ، لكنه كان يريد أن يصفى جيب التوريث، وإمكانية أن يصبح شخص فى تفاهة جمال مبارك
قائدًا أعلى للقوات المسلحة! هذا موقف يتعلق بكرامة القوات المسلحة وتصورها هى ذاتها لكرامتها. والخلاصة ان المجلس ساير فى تطبيق برنامجه، ثم بدأت المشاكل حين بدأ سقف الثورة يعلو سقفه. ورب ضارة نافعة، فالأزمة الحالية يمكن أن تجعل المجلس يبتكر أسلوبًا مغايرًا يصارح فيه الشعب المصرى بحقيقة الضغوط التى تيذل لحتواء الثورة فى الداخل وفى الخارج. وعليه أيضًا أن يعود لتجديد عقد الوكالة للثورة وتحقيق أهدافها بغير تحريف ولا تخويف.
* هل شعرت بأن ما دفعته من ضريبة لم يذهب هدرًا حين قامت الثورة ؟
- أولًا أنا لا أطلب شيئًا لنفسى. ما طلبته تحقق بأكثر مما حلمت به فى الحقيقة. أنت تعرف أن الصحفى ينتظر الحوادث حتى يكتب عنها، بالنسبة للثورة المصرية شعرت اننى بصدد ريبرتوار ( التحقيق الصحفى ) . هذا تصور دافعت عنه كثيرًا واجتهدت فى الدعوة إليه ونشره والتبشير به لم أكن فقط اتنبأ بالثورة المصرية، على طريقة أن تتوقع شيئًا قد يحدث، إنما على طريقة النبوءة التى تحقق نفسها كأن تركز فى مبنى معين، بنية تحطيمه، فيتحطم . والقضية ببساطة أنه نظر إلى فى بداية الأمر على أننى مجنون، ومع انتصار الثورة نظر إلى كنبى. لكن أنا لا كنت مجنونًا ولا صرت نبيًا أنا فقط تأملت وجه مصر المجدور البائس كما هو، لم أستسلم لنغمة نقص الإيمان بمقدرة الشعب المصرى. خلال 10 سنوا ت كانت النغمة السائدة هى: لماذا لا يثور المصريون ؟ موجة كتابات تحتقر الشعب المصرى وتجعله عجبًا بين شعوب العالم.
* وأنت ترفع عقيرتك بالغضب، هل شعرت باليأس ؟
- كنت دائمًا أقول ليس بوسعنا أن نيأس أكثر مما يأسنا. لأنه فى لحظة معينة ينقلب اليأس إلى أمل. كنت أستخدم تعبير أن مصر تشك فى عرسها. منذ 2005 بظاهرة القلق الساسى بـ " كفاية واخواتها "، ثم ظاهرة القلق الاجتماعى التى بدات باضطرابات المحلة الأول فى ديسمبر 2006، ثم بتلاقى الغضبين فى انتفاضة المحلة أبريل 2008، وهى فى ظنى البروفة الجنرال لثورة يناير، كل ذلك كان يدعونى للأمل.
* كانوا يطاردونك من جريدة إلى أخرى، إلى أن جردوك من ملابسك . انتابك الإحساس بالرثاء للذات ؟
- اعتبرت أن ما يفعلونه بى ضريبة اختيار، وعلى المرء أن يستعد لدفع هذه الضريبة. استخدموا ضدى كل ألوان الترويع، لكنها لم تصل بى إلى حافة الجوع، ربما لأن مطالبى قليلة فى هذه الحياة، ربما لأنى مصاب بنوع من الاختلاف عن طبائع البشر الذين يسعون للتملك. أنا لا أحس بأى درجة من درجات الغيرة إزاء امتلاك الأشياء. أحاسيسى ممحوة فى هذا الجانب، وربما يكون ذلك خللًا فى ، لكن هذا الخلل ساعدنى على الصمود.
* فى اللحظة التى وقفت فيها متجردًا من ملابسك، فى الصحراء والضلمة. ما أكثر شىء كان يخيفك .. فى التعذيب، الموت، الانتهاك ، أم ماذا ؟
- قد تندهش إذا قلت لك إن هذه هى اللحظة التى ولدت فيها من جديد. فى المسيحية عقيدة تتكلم عن الولادة الثانية، وما جرى لى فى هذه اللحظة كان نوعًا من أنواع الولادة، لأن اللحظة التى سبقتها كانت موتًا أكيدًا . حين اختطفت كنت موقنًا أننى ذاهب حتمًا إلى الموت. أنا ذهبت فى رحلة إلى الموت ورجعت منها. رغم وضعى المرعب فى هذه اللحظة، عاريًا كما ولدتنى أمى فى صحراء لا أعرفها، مجردًا حتى من نظارتيك، لا ترى شيئًا تقريبًا ، تنده على الرائح والغادى فيعاملك كمجنون. فى هذه اللحظة التى لم أكن أرى فيها شيئًا ، رأيت نفسى كما لم أرها من قبل. فى هذه اللحظة انتصر فيها معنى القيمة على هواجس الخوف ليس إنسانًا من لا يخاف وأنا أخاف، لكن فى لحظة معينة ينشأ تناقض بين الخوف والقيمة، الإنسان هو الكائن الوحيد الذى يعرف يقينًا أنه صائر إلى الموت، لكنه يصارع، لكى يفك قوس الموت فيمتد ذكره هذا هو معنى القيمة، وفى هذه اللحظة انتصرت القيمة على الخوف وبدأ الميلاد الثانى .
* بيننا صديق مشترك، كنت فى بيته وحين ههممت أن أسأله عما جرى لك، قال لى فبل أن أسأل.. نظرت فى عينى قنديل، لكن ذلك لم يحدث . واطمأننت، على غير معرفة بيننا. بالطبع تخمن سؤالى ؟ أتحدث عن الانتهاك والانكسار الذى يأتى بعده ؟
- طبعًا كان الهدف هو الكسر وبناء على دراسة الشخصية وأنا شخص منطو نسبيًا ، قليل التفاعل الاجتماعى، خجول، ولحسن الحظ أنهم بدلًا من قتلى، أرادوا أن يكسرونى، أو تصوروا ذلك. هذا الخيط الرفيع بين القتل المادى والمعنوى انقلب عليهم لأنى لاحظت، وهذا مما أمتن له كثيرًا ، أن موجة التضامن مع شخصى جاوزت كل تصوراتى. جريدة الوفد، مع ما بينها وبين جريدة العربى التى كنت أديرها وقتها، تزعمت حملة التضامن معى. ما كتب أكثر من أن يحصى. أكثر من 500 مقال كتبت عنى. بعدها قارنت بين ما حدث لى وما حدث لـ " رضا هلال " قبلى بقليل، ولم يحظ بتضامن، وهذا بالطبع راجع لضعف بنية التضامن فى مصر، لكننى قارنت بين الحادثين ووجدت أن الذين وقفوا بجانبى كانوا يتضامنون مع المعنى أكثر من تضامنهم مع الشخص. لأن أحدًا لم يحتك بالشخص لا قبل الحادث ولا بعده.
* أذكرك السؤال.. أنهم لم ينتهكوا آدميتك ؟
- ما حدث، كما تعرف، أنهم خطفونى قريبًا من المنزل، ثم قالوا: عشان تبطل تتكلم عن الكبار ، إلى نهاية الحادث فى صحراء المقطم على طريق القاهرة السويس الصحراوى ، حيث بدأوا بتعصيبى وتكميمى والتنكيل وصولًا إلى التعرية الكاملة، وفى لحظة معينة توقفت السيارة ولاحظت أنهم أربعة : 2 قدام و2 ورا ، واحد على يمينى وواحد على شمالى، وطبعًا كانوا يستخدمون الأسلحة البيضاء بطريقة محترفة، حتى لا يتركوا أثرًا ...
* ألم تكن هناك كلاب أو ما شابه ؟
- لا ، المهم سمعت السائق يرد على أحدهم : حاضر يا فندم. ثم توقف ، وقالوا لى : انزل، وكان هناك سلاح فى ظهرى، أدركت وقتها أننى ذاهب إلى حيث ألقى حتفى. وفجأة نزعوا العصابة عن عينى ثم بدأت المحركات تدور. هذا هو ما حصل، لكن إذا كنت تقصد انتهاكًا جسديًا أو جنسيًا فهذا لم يحدث.
* بم تشعر حين تتذكر تلك اللحظة ؟ ولم أكد أكمل السؤال حتى شرد منى قنديل. ثم عاد، وكان شجن يترقرق فى عينيه وكانت دموع. وانتظرته .... لم أنبس ببنت شفة حتى قال :
- أكثر ما اتذكره الآن هو الهواجس التى دارت برأسى قبل أن يذهبوا عنى . تساءلت: هل هذه هى النهاية ؟ سأذهب هكذا دون أن أودع أحدًا ، كل أصدقائى كانوا يحدسون أن شيئًا قد يحدث، لكن ليس هكذا. أتذكر أن الأستاذ هيكل كان حين يقرأ ما أكتب يعقب : الله، هو ما فيش دولة ولا إيه !! هما سايبينك تكتب كده إزاى !! كنا نخمن بأن شيئًا سيحدث، لكن لم يدر بخاطرى أن أوضع فجأة فيما كنت أتجاهله طوال الوقت. والآن حين أتذكر ذلك أندهش للطريقة التى نجوت بها
* هل الكتابة تطهرنا بالفعل. تشفى تلك الندوب التى لا يعالجها غير الزمن ؟
- آه ، بالطبع
* كتبت هذه التجربة ؟
- طبعًا
* مقالات ؟
- نعم
* ألم تحزن على الشعر الذى فقدته، لأن لحظة كهذه، ألمًا كهذا، يليق به الشعر ؟
- شوف، أنا تحولت بين أحلام كثيرة. وأنا فى الثانوية العامة حلمت أن أكون عالمًا ، لأنى كنت أحتقر كل أنواع الكتابة، رغم حصولى على الدرجة النهائية فى اللغة العربية وفى الرياضيات. كنت أحلم أن أكون أينشتاين. كنت أعتقد أن العلم هو الذى يصنع التاريخ. حين أرغمت على دخول كلية الطب، تحولت من الحلم بالعلم إلى الحلم بالشعر. ولما جئت القاهرة ققرت أن أعمل بالصحافة، نزلت من حلم الشاعر إلى الناثر. لكن أشياء من أحلامى، رغبة العالم والشاعر بقيت فى نسيج ما .
* متطرف ؟
- أنا متطرف المزاج، لأنى أعتبر أن الوقوف فى المناطق الوسطى موت أكيد، تربيت على معنى أن أكون الألفى. ولهذا كان من المستحيل أن أستمر فى الطب وأعمل معه شيئًا آخر، لأنه إما أن تكون شيئًا مميزًا أو لا تكون على الإطلاق. أذكر أننى، وأنا طفل، تسابقت مع أطفال آخرين على من يغمس قدمه فى كومة محترقة. هم وضعوا أقدامهم على السطح وأنا غمست قدمى إلى الأعماق. إلى الآن ما زالت قدمى اليمنى محترقة. أنا مجازف، برى إلى حد كبير، مفارق لتواطؤات الجماعة. هذا التكوين،رغم ما قد يلحظ عليه، إلا أنه هو ما أردت أن أكون عليه
* أما زال هذا الطفل يغلبك على أمرك، بحيث تترك له زمام أمرك ؟
- يغلبنى على أمرى كثيرًا جدًا ، ويسبب لى حتى مشاكل أسرية فوق ما تتخيل. لأنه من الطبيعى أن من يفكرون بطريقة طبيعية، إذا قلنا ذلك، لا بد أن يراعوا قدرًا من التوازن بين الأشياء، لا أراعيه. ثم أنا مؤمن بأنك إما أن تقول الحقيقة، أو ألا تقول شيئًا على الإطلاق.
* ما مركبات نقصك ؟
- ضعف نظرى، ولذلك فأنا أرى جمال الناس من عيونهم أولًا
* هل هو مكتسب ؟
- أكتسبته من العادات السيئة، كنت أذاكر تحت لمبة أو فى الغبشة ..إلخ، استخدمت بصرى أسوأ استخدام ممكن.
* وماذا عن المركبات الأخرى ؟
- قصر قامتى، رغم أننى من قرية اسمها " الطويلة "، لكن هذا الموضوع أقل تأثيرًا فى من موضوع النظر
* وكيف تعوض نقصك ؟
- ليس تعويضًا ، إنما انت تكون كما طبعك الله. أنا أدعى أننى طبعة أصلية، لا مقلدة
* بتحب الستات ؟
- إللى ما يحبش الستات، ما يبقاش راجل، أنا عانيت وفقدت حبى الأول بسبب خجلى. لك أن تتخيل أننى أحببت واحدة فى كلية الطب، لمدة 6 سنوات، وقصارى ما فعلته أننى دسست لها قصيدة فى دفتر. لكن فيما بعد جرى تعديل الصورة، كتعويض عن الخجل ببعض الانفتاح
* وازدواجية المثقفين، رفع الشعار وخيانته ؟
- لم أعلها أبدًا
* لكن عندما تتصل بك معجبة، تجرجرها إلى سكة الرجل ؟
- شوف، لا أحد يجرجر أحدًا إلى سكة لا يريدها. لكننى لم أفعلها، أنا حريص على الفصل الكامل بين العمل وأية علاقات أخرى
* والصورة الشهيرة لك وأنت تضع يدك فى ظهر إحداهن فى مكان عام ؟
- هذه الصورة مركبة، وما أسفت له هو الإساءة للسيدة التى ظهرت فيها. وقد اخترت وقتها الصمت عن أى تعليق، ثم ظهر، فيما بعد ، حين خرجت وثائق أمن الدولة للعلن، أنها مفبركة. لكن هذه الصورة، على كل حال، بددت جانبًا من صورتى كشخص منطو اجتماعيًا ، لكنها لم تؤثر سلبًا علىّ
* ما الدافع العميق وراء مثل هذا السلوك ؟ هل تشعر باشباع نقص ما وأنت تفعله ؟
- لا بد أن تفرق بين الصورة والسلوك. أنت تسألنى عن الستات، وقلت لك رأيى. لكن الصورة تتعلق بإمرأة لها دور وطنى
* أنا فتشت وراءك ولم أجد لك نقطة ضعف غير موضوع الستات ؟
- أنا لا أعتبرها نقطة ضعف، لأن نقطة الضعف هى تلك التى تقتلك
* هل لك حياة سرية ؟
- حياتى السرية هى حياتى فى العلن أنا شخص بسيط بطبيعتى
* الشاعر ماذا ترك للثائر ؟
- ترك له نعمة الحلم، وبلاغة التأثير.. لقد واجهتنى مشكلة حين بدأت العمل بالصحافة.. كيف أجعل الكلمة حارقة كطلقة الرصاص. كيف يمكن أن تتوجه للناس بأسلوب يمزج الدقة إلى الجمال إلى التأثير.. بالعقل والقلب معًا .
* البعض يعتبرك كاتبًا جيدًا ورئيس تحرير غير ناجح ؟
- أترك الحكم لسيدنا القارىء
* نقابة الصحفيين فى خطر ؟
- منذ زمن بعيد، مفارقة مكرم محمد أحمد تجسد الأزمة، مكرم ولى النقابة أكثر من مرة. كان الرجل، رغم قربه من النظام ورغم غلظة طباعه، مشهورًا بأنه جدع. مكرم محمد أحمد فى طبعته الأخيرة خلط بين نقيب الصحفيين ونقيب الشرطة، لدرجة أن الأصول الأمنية تغلبت على الأصول المهنية، وعلى دور النقابة.
* والصحافة نفسها، هل هى فى أزمة ؟
- طبعًا ، هناك الآن، مع جو الحرية، ظاهرة مريبة جدًا ، هى الصحف التى تنهال على الرصيف. غسيل الأموال الذى ينشىء صحفًا وقنوات. هناك ساحة مفتوحة بعضها أمريكى والآخر سعودى. نحن بحاجة لإعادة تنظيم السوق، ليس بمعنى فرض القيد، إنما بمعنى خلق بيئة تشريعية تخلق صحافة مستقرة، تكتسب حريتها بالدوام وليس بالعرف الموجود
* ما الذى يبقى من محمد حسنين هيكل ؟
- ما بقى ممهورًا باسمه وتوقيعه شائعًا وخالدًا فى العالمين
* كامل زهيرى ؟
- عميد الثقافة البصرية
* أحمد بهاء الدين ؟
- المعرفة المتوازنة بالقديم والجديد
* مكرم محمد أحمد ؟
- أتمنى ألا يبقى منه ذكره الأخير
* أنيس منصور ؟
- لن يبقى منه شىء على الإطلاق. أنيس منصور قمة التناقض بين كاتب يمتلك أسوبًا مميزًا ، ثم يقول معانى فارغة. لن تبقى قيمة لأنيس منصور بعد وفاة أنيس منصور، لأنه حول هذه الموهبة الكبيرة إلى كاتب تسالى
* مصطفى أمين ؟
- رغم فجوة الخلاف معه، لكن سيبقى منه شىء مهم جدًا ، هو أنه أنشأ مدرسة فى الصحافة المصرية، رغم ما فيها من خفة وسطحية، لكنها تبقى مدرسة
* على أمين ؟
- سيبقى منه أنه أخو مصطفى أمين
* جهاد الخازن ؟
- جهاد سيبقى منه هذا الحياد، على شعرة بين أموال الخليج وضمير الصحفى المستقل
* وعبدالحليم قنديل
- سيبقى منه نصف اسمه.. قنديل
* هل تشعر أنك واحد من آباء الثورة ؟
- أفضل أن اقول إن سيرتى امتزجت بسيرة الثورة
* وهل حكومة شرف هى حكومة ثورة ؟
- حكومة ثورة مضادة
* بكل وزرائها ؟
- بأغلب الوزراء الذين يستحقون الذهاب إلى سجن مزرعة طرة
* تقدر تسمى أسماء ؟
- نعم، هناك يحيى الجمل، سمير رضوان، فايزة أبو النجا، وحتى وزير الخارجية الجديد، هذا العرابى، الذى حل محل دبلوماسى وطنى حقيقى بحجم نبيل العربى !
* ما مشكلة يحيى الجمل ؟
- مشكلته أنه لا يستقر على مشهد ختام. لقد امتد به العمر، لكنه يناقض بعضه بعضًا . يحيى يناقض الجمل. الرجل، قبل سنوات، قال إنه لا يصلح لمنصب، الآن يتصور أنه يصلح لكل المناصب. قبل 30 سنة كان عضوًا ثياديًا فى جزب التجمع ثم ذهب للسلطة. د يحيى، للأسف، وهو واحد من أساتذة القانون الدستورى المعدودين، لكن فعليًا هو يحيى مشتاق !
* لماذا توافق على الظهور فى برنامج كاريكاتورى مثل " الاتجاه المعاكس " ؟
- دافعى ليس هو مكافأة البرنامج، لأنها لم تغير فى وضعى المالى كثيرًا ، لكننى كنت ممنوعًا من الكتابة والعمل فى أى صحيفة مصرية. وكان لا بد من قناة يصل عبرها صوتى
* وما رأيك فى قناة الجزيرة ؟
- أعترض فى الجزيرة على فكرة هم يلبسونها رداء المهنية، هى استضافة الإسرائيليين، بدعوى وجود الرأى الآخر. لكن القناة أحدثت تقبًا هائلًا فى السماء العربية، وأثبتت أنه بإمكان العرب الوصول إلى العالمية.
* وحمد بن جاسم برىء ؟
- لا يوجد أبرياء، قطر هى قطر، دولة عربية تابعة فيها قناة الجزيرة وفيها أكبر فاعدة للقوات الأمريكية، لكن المشكلة أنه إذا كانت قطر صغيرة ننعى عليها أن بها قاعدة أمريكية، فما بالك بمصر الكبيرة. الأمور تقاس إلى الأقدار!
* وكيف ترى عمرو موسى :
- عمرو موسى كذوب يفضحه لسانه !
* وسليم العوا ؟
- العوا يصلح للمنابر الرقيقة، لا لمنابر السياسة
* عبدالمنعم أبو الفتوح ؟
- قيمة حقيقية والبانى الثانى للإخوان بعد حسن البنا
* البرادعى ؟
- خواجه
* مش وارد يتمصر ؟
- يحتاج إلى عمر آخر
* من أقربهم إلى الكرسى العالى ؟
- فى تقديرى أن الصورة لم تتضح بعد
* متفائل بالثورات العربية ؟
- لن يبقى حجر على حجر
* الإخوان المسلمون، تهديد أم متنفس لكبت ؟
- الإخوان قدر، ولكى تكتمل كؤوس الأقدار، أتمنى أن يحكموا هذا البلد، ساعتها فقط ستبط شعبيتهم للأدنى
* والسلفيون ؟
- ظاهرة صحراوية تحتاج إلى تمصير
* المحاكمات الجارية ؟
- هزلية، لأنها تحاكم فاسدين بقانون وضعه فاسدون
* القصيدة ؟
- حزنى الدفين
* المعجزة، هل هى صناعة بشرية لا تحتاج لتدخل السماء ؟
- يد الله تتبدى فى كل شىء
* هل مصر بحاجة لمعجزة ؟
- مصر نفسها معجزة .
14-7-2011 | 10:53
كنت، وأنا أرى عبدالحليم قنديل فى برنامج " الاتجاه المعاكس" بقناة الجزيرة، أشفق عليه، فالرجل لديه ذخيرة حية من الأفكار لا ينبغى أن تضيع فى حوار طرشان كهذا، أو صراع ديكة. قنديل بجسده القصير المدبب هو نفسه فكرة أكثر منه شخصًا .. فكرة منطوية على ذاتها تقلبت بين الطب والشعر والصحافة واستقرت أخيرًا فى الشارع فأصابته برعشة، بعد أن أصابت رأس النظام بصداع مقيم .
وهو يتحدث عن ضعف نظره استدعيت ذاتى بتنهيدة واحدة، فأنا أيضًا أعانى منذ الطفولة بسبب النظر. كان الرجل بسيطًا وجارحًا وهو يوغل معى فى فهم نقصه. وربما لن تجد شخصًا آخر على استعداد لجرد العهدة بصراحة مطلقة كما يفعل قنديل إنه يتربص بكل شىء من حوله، ليفهمه. وشأن كل الموهوبين الكبار انتدب نفسه ليحارب طواحين الصمت على البلادة لقد نصبه الشارع لسانًا له، وهو، من جانبه، يسن الكلمات ويرسلها، حبرًا أو كلامًا ، بطلاقة رشاش .
وقد ذهبت مع هذا الرجل المستوحد إلى أبعد نقطة فى نفسه، إلى ما يخبئه، وما ألم به من مغامرات، ورأيه فى أناس ماتوا وآخرين ما زالوا على قيد الحياة. والرجل لم يدخر جهدًا ، ليصفى رأيه حتى آخر قطرة. عرفت من ضيقه مقاطعتى له، والواقع أننى حين أقاطع ضيفًا ، بيقظة قنديل، فمعنى ذلك أننى أريد أن أصغى له أكثر.
* من أين نبدأ يا دكتور، حال البلد لا يسر؟
- فى تقديرى أن الثورة المصرية ذاهبة إلى انتصار أكيد أثق فى ذلك تقة مطلقة، لكن الطرق فى التاريخ غير الطرق فى الخيال، الطرق فى التاريخ غالبًا ما تكون متعرجة تأمل منبع النيل فى أثيوبيا ستجد الحركة صاخبة ومختلطة، حركة نزول الماء، لكن سرعان ما يستقيم عود النيل، ويشق لنفسه مجرى فيصبح النيل نيلًا لا فوضى. مصر الآن فى مرحلة النبع .
* إلى كم من الوقت تحتاج الثورة ليستقيم عودها ؟
- أتصور أن مصر بحاجة إلى مدى قد يصل إلى 3 سنوات، لتتضح الصورة
* هناك مجتمعات تشعر من تعاملها مع زلزال كالثورة أنها استعدت سلفًا لحدث كهذا، لكن بالنسبة لنا، ربما لطول عهدنا بالرقاد، لم نستعد؟ لا النخبة ولا الشارع ولا الأحزاب ؟
- أنا لا أفضل تعبير النخبة، لأنه غير محدد، ثم لأنه ينطوى على قدر عظيم من الخداع. المهم أن مصر فيها خزانات غضب تكفى لصنع ألف ثورة، وهى بالكاد صنعت ثورتها الأولى. لكن ترقبوا ثورات أخرى. هذا الكلام قلته قبل وبعد الثورة. يسمى البعض ما يشهده الشارع المصرى الآن بموجة ثانية من الثورة وأسماء أخرى. ليس هذا هو المهم. المقرر ما زالت به ثورات أخرى وجع مصر عظيم جدًا ، لكن لحظة الاختناق التى نمر بها الآن سنجتازها. أنت لديك دراما هائلة بلا قيادة استعانت بصديق هو المجلس العسكرى، وحساسية الصديق ليست كحساسية اللصيق. هذه الفجوة تصنع هذا التباين بين الموقفين وبين السقفين. سقف المجلس العسكرى كان منخفضًا قصاره هو إزالة سيناريو التوريث. شخوصًا وموادًا فى الدستور بينما سقف الثورة بدا أوسع نطاقًا فجرف هذا التواضع واجتمع به فى جمعة 8 أبريل على محاكمة مبارك، لكن فى جمعة 8 يوليو بدا التوتر بين الأصيل والوكيل أكثر ظهورًا ، ولذلك نلحظ هذا التباطؤ ، حتى فى الاستجابة نحن بصدد أزمة تمر بها الثورة منذ استقرار أمرها .
* وجد المجلس نفسه مضطرًا إذن لقبول هذا الوضع ؟
- هذا المجلس، ليس مجلسًا لقيادة الثورة لنكن واضحين. هو يقود مؤسسة محافظة بطبيعتها، لا مؤسسة ثورية. هنا كان المجلس محكومًا بقدرين : الوضع التاريخى للجيش المصرى، وهذه تقاليد مؤثرة جدًا . الجيش المصرى ليس كتائب خميس. الجيش طول عمره كان إما مفجرًا لثورات أو مساندًا لثورات والقدر الآخر أنه لا يوجد جنرال فى الجيش المصرى قادر على إصدار أوامر بقتل المتظاهرين. إذا قلنا إنه يؤدى واجبه وهذا اختياره، لنقل ذلك، لكننا نستطيع أن نقول بنفس الثقة بأنه إجبار، بقدر ما هو اختيار الشىء الآخر الذى حكم موقف الجيش أن الثورة السائلة أو الدراما قفزت فوق حتى ما كان يقدره للترك المطلوب. لم يكن لدى المجلس العسكرى مانع من أن يستمر مبارك حاكمًا ، لكنه كان يريد أن يصفى جيب التوريث، وإمكانية أن يصبح شخص فى تفاهة جمال مبارك
قائدًا أعلى للقوات المسلحة! هذا موقف يتعلق بكرامة القوات المسلحة وتصورها هى ذاتها لكرامتها. والخلاصة ان المجلس ساير فى تطبيق برنامجه، ثم بدأت المشاكل حين بدأ سقف الثورة يعلو سقفه. ورب ضارة نافعة، فالأزمة الحالية يمكن أن تجعل المجلس يبتكر أسلوبًا مغايرًا يصارح فيه الشعب المصرى بحقيقة الضغوط التى تيذل لحتواء الثورة فى الداخل وفى الخارج. وعليه أيضًا أن يعود لتجديد عقد الوكالة للثورة وتحقيق أهدافها بغير تحريف ولا تخويف.
* هل شعرت بأن ما دفعته من ضريبة لم يذهب هدرًا حين قامت الثورة ؟
- أولًا أنا لا أطلب شيئًا لنفسى. ما طلبته تحقق بأكثر مما حلمت به فى الحقيقة. أنت تعرف أن الصحفى ينتظر الحوادث حتى يكتب عنها، بالنسبة للثورة المصرية شعرت اننى بصدد ريبرتوار ( التحقيق الصحفى ) . هذا تصور دافعت عنه كثيرًا واجتهدت فى الدعوة إليه ونشره والتبشير به لم أكن فقط اتنبأ بالثورة المصرية، على طريقة أن تتوقع شيئًا قد يحدث، إنما على طريقة النبوءة التى تحقق نفسها كأن تركز فى مبنى معين، بنية تحطيمه، فيتحطم . والقضية ببساطة أنه نظر إلى فى بداية الأمر على أننى مجنون، ومع انتصار الثورة نظر إلى كنبى. لكن أنا لا كنت مجنونًا ولا صرت نبيًا أنا فقط تأملت وجه مصر المجدور البائس كما هو، لم أستسلم لنغمة نقص الإيمان بمقدرة الشعب المصرى. خلال 10 سنوا ت كانت النغمة السائدة هى: لماذا لا يثور المصريون ؟ موجة كتابات تحتقر الشعب المصرى وتجعله عجبًا بين شعوب العالم.
* وأنت ترفع عقيرتك بالغضب، هل شعرت باليأس ؟
- كنت دائمًا أقول ليس بوسعنا أن نيأس أكثر مما يأسنا. لأنه فى لحظة معينة ينقلب اليأس إلى أمل. كنت أستخدم تعبير أن مصر تشك فى عرسها. منذ 2005 بظاهرة القلق الساسى بـ " كفاية واخواتها "، ثم ظاهرة القلق الاجتماعى التى بدات باضطرابات المحلة الأول فى ديسمبر 2006، ثم بتلاقى الغضبين فى انتفاضة المحلة أبريل 2008، وهى فى ظنى البروفة الجنرال لثورة يناير، كل ذلك كان يدعونى للأمل.
* كانوا يطاردونك من جريدة إلى أخرى، إلى أن جردوك من ملابسك . انتابك الإحساس بالرثاء للذات ؟
- اعتبرت أن ما يفعلونه بى ضريبة اختيار، وعلى المرء أن يستعد لدفع هذه الضريبة. استخدموا ضدى كل ألوان الترويع، لكنها لم تصل بى إلى حافة الجوع، ربما لأن مطالبى قليلة فى هذه الحياة، ربما لأنى مصاب بنوع من الاختلاف عن طبائع البشر الذين يسعون للتملك. أنا لا أحس بأى درجة من درجات الغيرة إزاء امتلاك الأشياء. أحاسيسى ممحوة فى هذا الجانب، وربما يكون ذلك خللًا فى ، لكن هذا الخلل ساعدنى على الصمود.
* فى اللحظة التى وقفت فيها متجردًا من ملابسك، فى الصحراء والضلمة. ما أكثر شىء كان يخيفك .. فى التعذيب، الموت، الانتهاك ، أم ماذا ؟
- قد تندهش إذا قلت لك إن هذه هى اللحظة التى ولدت فيها من جديد. فى المسيحية عقيدة تتكلم عن الولادة الثانية، وما جرى لى فى هذه اللحظة كان نوعًا من أنواع الولادة، لأن اللحظة التى سبقتها كانت موتًا أكيدًا . حين اختطفت كنت موقنًا أننى ذاهب حتمًا إلى الموت. أنا ذهبت فى رحلة إلى الموت ورجعت منها. رغم وضعى المرعب فى هذه اللحظة، عاريًا كما ولدتنى أمى فى صحراء لا أعرفها، مجردًا حتى من نظارتيك، لا ترى شيئًا تقريبًا ، تنده على الرائح والغادى فيعاملك كمجنون. فى هذه اللحظة التى لم أكن أرى فيها شيئًا ، رأيت نفسى كما لم أرها من قبل. فى هذه اللحظة انتصر فيها معنى القيمة على هواجس الخوف ليس إنسانًا من لا يخاف وأنا أخاف، لكن فى لحظة معينة ينشأ تناقض بين الخوف والقيمة، الإنسان هو الكائن الوحيد الذى يعرف يقينًا أنه صائر إلى الموت، لكنه يصارع، لكى يفك قوس الموت فيمتد ذكره هذا هو معنى القيمة، وفى هذه اللحظة انتصرت القيمة على الخوف وبدأ الميلاد الثانى .
* بيننا صديق مشترك، كنت فى بيته وحين ههممت أن أسأله عما جرى لك، قال لى فبل أن أسأل.. نظرت فى عينى قنديل، لكن ذلك لم يحدث . واطمأننت، على غير معرفة بيننا. بالطبع تخمن سؤالى ؟ أتحدث عن الانتهاك والانكسار الذى يأتى بعده ؟
- طبعًا كان الهدف هو الكسر وبناء على دراسة الشخصية وأنا شخص منطو نسبيًا ، قليل التفاعل الاجتماعى، خجول، ولحسن الحظ أنهم بدلًا من قتلى، أرادوا أن يكسرونى، أو تصوروا ذلك. هذا الخيط الرفيع بين القتل المادى والمعنوى انقلب عليهم لأنى لاحظت، وهذا مما أمتن له كثيرًا ، أن موجة التضامن مع شخصى جاوزت كل تصوراتى. جريدة الوفد، مع ما بينها وبين جريدة العربى التى كنت أديرها وقتها، تزعمت حملة التضامن معى. ما كتب أكثر من أن يحصى. أكثر من 500 مقال كتبت عنى. بعدها قارنت بين ما حدث لى وما حدث لـ " رضا هلال " قبلى بقليل، ولم يحظ بتضامن، وهذا بالطبع راجع لضعف بنية التضامن فى مصر، لكننى قارنت بين الحادثين ووجدت أن الذين وقفوا بجانبى كانوا يتضامنون مع المعنى أكثر من تضامنهم مع الشخص. لأن أحدًا لم يحتك بالشخص لا قبل الحادث ولا بعده.
* أذكرك السؤال.. أنهم لم ينتهكوا آدميتك ؟
- ما حدث، كما تعرف، أنهم خطفونى قريبًا من المنزل، ثم قالوا: عشان تبطل تتكلم عن الكبار ، إلى نهاية الحادث فى صحراء المقطم على طريق القاهرة السويس الصحراوى ، حيث بدأوا بتعصيبى وتكميمى والتنكيل وصولًا إلى التعرية الكاملة، وفى لحظة معينة توقفت السيارة ولاحظت أنهم أربعة : 2 قدام و2 ورا ، واحد على يمينى وواحد على شمالى، وطبعًا كانوا يستخدمون الأسلحة البيضاء بطريقة محترفة، حتى لا يتركوا أثرًا ...
* ألم تكن هناك كلاب أو ما شابه ؟
- لا ، المهم سمعت السائق يرد على أحدهم : حاضر يا فندم. ثم توقف ، وقالوا لى : انزل، وكان هناك سلاح فى ظهرى، أدركت وقتها أننى ذاهب إلى حيث ألقى حتفى. وفجأة نزعوا العصابة عن عينى ثم بدأت المحركات تدور. هذا هو ما حصل، لكن إذا كنت تقصد انتهاكًا جسديًا أو جنسيًا فهذا لم يحدث.
* بم تشعر حين تتذكر تلك اللحظة ؟ ولم أكد أكمل السؤال حتى شرد منى قنديل. ثم عاد، وكان شجن يترقرق فى عينيه وكانت دموع. وانتظرته .... لم أنبس ببنت شفة حتى قال :
- أكثر ما اتذكره الآن هو الهواجس التى دارت برأسى قبل أن يذهبوا عنى . تساءلت: هل هذه هى النهاية ؟ سأذهب هكذا دون أن أودع أحدًا ، كل أصدقائى كانوا يحدسون أن شيئًا قد يحدث، لكن ليس هكذا. أتذكر أن الأستاذ هيكل كان حين يقرأ ما أكتب يعقب : الله، هو ما فيش دولة ولا إيه !! هما سايبينك تكتب كده إزاى !! كنا نخمن بأن شيئًا سيحدث، لكن لم يدر بخاطرى أن أوضع فجأة فيما كنت أتجاهله طوال الوقت. والآن حين أتذكر ذلك أندهش للطريقة التى نجوت بها
* هل الكتابة تطهرنا بالفعل. تشفى تلك الندوب التى لا يعالجها غير الزمن ؟
- آه ، بالطبع
* كتبت هذه التجربة ؟
- طبعًا
* مقالات ؟
- نعم
* ألم تحزن على الشعر الذى فقدته، لأن لحظة كهذه، ألمًا كهذا، يليق به الشعر ؟
- شوف، أنا تحولت بين أحلام كثيرة. وأنا فى الثانوية العامة حلمت أن أكون عالمًا ، لأنى كنت أحتقر كل أنواع الكتابة، رغم حصولى على الدرجة النهائية فى اللغة العربية وفى الرياضيات. كنت أحلم أن أكون أينشتاين. كنت أعتقد أن العلم هو الذى يصنع التاريخ. حين أرغمت على دخول كلية الطب، تحولت من الحلم بالعلم إلى الحلم بالشعر. ولما جئت القاهرة ققرت أن أعمل بالصحافة، نزلت من حلم الشاعر إلى الناثر. لكن أشياء من أحلامى، رغبة العالم والشاعر بقيت فى نسيج ما .
* متطرف ؟
- أنا متطرف المزاج، لأنى أعتبر أن الوقوف فى المناطق الوسطى موت أكيد، تربيت على معنى أن أكون الألفى. ولهذا كان من المستحيل أن أستمر فى الطب وأعمل معه شيئًا آخر، لأنه إما أن تكون شيئًا مميزًا أو لا تكون على الإطلاق. أذكر أننى، وأنا طفل، تسابقت مع أطفال آخرين على من يغمس قدمه فى كومة محترقة. هم وضعوا أقدامهم على السطح وأنا غمست قدمى إلى الأعماق. إلى الآن ما زالت قدمى اليمنى محترقة. أنا مجازف، برى إلى حد كبير، مفارق لتواطؤات الجماعة. هذا التكوين،رغم ما قد يلحظ عليه، إلا أنه هو ما أردت أن أكون عليه
* أما زال هذا الطفل يغلبك على أمرك، بحيث تترك له زمام أمرك ؟
- يغلبنى على أمرى كثيرًا جدًا ، ويسبب لى حتى مشاكل أسرية فوق ما تتخيل. لأنه من الطبيعى أن من يفكرون بطريقة طبيعية، إذا قلنا ذلك، لا بد أن يراعوا قدرًا من التوازن بين الأشياء، لا أراعيه. ثم أنا مؤمن بأنك إما أن تقول الحقيقة، أو ألا تقول شيئًا على الإطلاق.
* ما مركبات نقصك ؟
- ضعف نظرى، ولذلك فأنا أرى جمال الناس من عيونهم أولًا
* هل هو مكتسب ؟
- أكتسبته من العادات السيئة، كنت أذاكر تحت لمبة أو فى الغبشة ..إلخ، استخدمت بصرى أسوأ استخدام ممكن.
* وماذا عن المركبات الأخرى ؟
- قصر قامتى، رغم أننى من قرية اسمها " الطويلة "، لكن هذا الموضوع أقل تأثيرًا فى من موضوع النظر
* وكيف تعوض نقصك ؟
- ليس تعويضًا ، إنما انت تكون كما طبعك الله. أنا أدعى أننى طبعة أصلية، لا مقلدة
* بتحب الستات ؟
- إللى ما يحبش الستات، ما يبقاش راجل، أنا عانيت وفقدت حبى الأول بسبب خجلى. لك أن تتخيل أننى أحببت واحدة فى كلية الطب، لمدة 6 سنوات، وقصارى ما فعلته أننى دسست لها قصيدة فى دفتر. لكن فيما بعد جرى تعديل الصورة، كتعويض عن الخجل ببعض الانفتاح
* وازدواجية المثقفين، رفع الشعار وخيانته ؟
- لم أعلها أبدًا
* لكن عندما تتصل بك معجبة، تجرجرها إلى سكة الرجل ؟
- شوف، لا أحد يجرجر أحدًا إلى سكة لا يريدها. لكننى لم أفعلها، أنا حريص على الفصل الكامل بين العمل وأية علاقات أخرى
* والصورة الشهيرة لك وأنت تضع يدك فى ظهر إحداهن فى مكان عام ؟
- هذه الصورة مركبة، وما أسفت له هو الإساءة للسيدة التى ظهرت فيها. وقد اخترت وقتها الصمت عن أى تعليق، ثم ظهر، فيما بعد ، حين خرجت وثائق أمن الدولة للعلن، أنها مفبركة. لكن هذه الصورة، على كل حال، بددت جانبًا من صورتى كشخص منطو اجتماعيًا ، لكنها لم تؤثر سلبًا علىّ
* ما الدافع العميق وراء مثل هذا السلوك ؟ هل تشعر باشباع نقص ما وأنت تفعله ؟
- لا بد أن تفرق بين الصورة والسلوك. أنت تسألنى عن الستات، وقلت لك رأيى. لكن الصورة تتعلق بإمرأة لها دور وطنى
* أنا فتشت وراءك ولم أجد لك نقطة ضعف غير موضوع الستات ؟
- أنا لا أعتبرها نقطة ضعف، لأن نقطة الضعف هى تلك التى تقتلك
* هل لك حياة سرية ؟
- حياتى السرية هى حياتى فى العلن أنا شخص بسيط بطبيعتى
* الشاعر ماذا ترك للثائر ؟
- ترك له نعمة الحلم، وبلاغة التأثير.. لقد واجهتنى مشكلة حين بدأت العمل بالصحافة.. كيف أجعل الكلمة حارقة كطلقة الرصاص. كيف يمكن أن تتوجه للناس بأسلوب يمزج الدقة إلى الجمال إلى التأثير.. بالعقل والقلب معًا .
* البعض يعتبرك كاتبًا جيدًا ورئيس تحرير غير ناجح ؟
- أترك الحكم لسيدنا القارىء
* نقابة الصحفيين فى خطر ؟
- منذ زمن بعيد، مفارقة مكرم محمد أحمد تجسد الأزمة، مكرم ولى النقابة أكثر من مرة. كان الرجل، رغم قربه من النظام ورغم غلظة طباعه، مشهورًا بأنه جدع. مكرم محمد أحمد فى طبعته الأخيرة خلط بين نقيب الصحفيين ونقيب الشرطة، لدرجة أن الأصول الأمنية تغلبت على الأصول المهنية، وعلى دور النقابة.
* والصحافة نفسها، هل هى فى أزمة ؟
- طبعًا ، هناك الآن، مع جو الحرية، ظاهرة مريبة جدًا ، هى الصحف التى تنهال على الرصيف. غسيل الأموال الذى ينشىء صحفًا وقنوات. هناك ساحة مفتوحة بعضها أمريكى والآخر سعودى. نحن بحاجة لإعادة تنظيم السوق، ليس بمعنى فرض القيد، إنما بمعنى خلق بيئة تشريعية تخلق صحافة مستقرة، تكتسب حريتها بالدوام وليس بالعرف الموجود
* ما الذى يبقى من محمد حسنين هيكل ؟
- ما بقى ممهورًا باسمه وتوقيعه شائعًا وخالدًا فى العالمين
* كامل زهيرى ؟
- عميد الثقافة البصرية
* أحمد بهاء الدين ؟
- المعرفة المتوازنة بالقديم والجديد
* مكرم محمد أحمد ؟
- أتمنى ألا يبقى منه ذكره الأخير
* أنيس منصور ؟
- لن يبقى منه شىء على الإطلاق. أنيس منصور قمة التناقض بين كاتب يمتلك أسوبًا مميزًا ، ثم يقول معانى فارغة. لن تبقى قيمة لأنيس منصور بعد وفاة أنيس منصور، لأنه حول هذه الموهبة الكبيرة إلى كاتب تسالى
* مصطفى أمين ؟
- رغم فجوة الخلاف معه، لكن سيبقى منه شىء مهم جدًا ، هو أنه أنشأ مدرسة فى الصحافة المصرية، رغم ما فيها من خفة وسطحية، لكنها تبقى مدرسة
* على أمين ؟
- سيبقى منه أنه أخو مصطفى أمين
* جهاد الخازن ؟
- جهاد سيبقى منه هذا الحياد، على شعرة بين أموال الخليج وضمير الصحفى المستقل
* وعبدالحليم قنديل
- سيبقى منه نصف اسمه.. قنديل
* هل تشعر أنك واحد من آباء الثورة ؟
- أفضل أن اقول إن سيرتى امتزجت بسيرة الثورة
* وهل حكومة شرف هى حكومة ثورة ؟
- حكومة ثورة مضادة
* بكل وزرائها ؟
- بأغلب الوزراء الذين يستحقون الذهاب إلى سجن مزرعة طرة
* تقدر تسمى أسماء ؟
- نعم، هناك يحيى الجمل، سمير رضوان، فايزة أبو النجا، وحتى وزير الخارجية الجديد، هذا العرابى، الذى حل محل دبلوماسى وطنى حقيقى بحجم نبيل العربى !
* ما مشكلة يحيى الجمل ؟
- مشكلته أنه لا يستقر على مشهد ختام. لقد امتد به العمر، لكنه يناقض بعضه بعضًا . يحيى يناقض الجمل. الرجل، قبل سنوات، قال إنه لا يصلح لمنصب، الآن يتصور أنه يصلح لكل المناصب. قبل 30 سنة كان عضوًا ثياديًا فى جزب التجمع ثم ذهب للسلطة. د يحيى، للأسف، وهو واحد من أساتذة القانون الدستورى المعدودين، لكن فعليًا هو يحيى مشتاق !
* لماذا توافق على الظهور فى برنامج كاريكاتورى مثل " الاتجاه المعاكس " ؟
- دافعى ليس هو مكافأة البرنامج، لأنها لم تغير فى وضعى المالى كثيرًا ، لكننى كنت ممنوعًا من الكتابة والعمل فى أى صحيفة مصرية. وكان لا بد من قناة يصل عبرها صوتى
* وما رأيك فى قناة الجزيرة ؟
- أعترض فى الجزيرة على فكرة هم يلبسونها رداء المهنية، هى استضافة الإسرائيليين، بدعوى وجود الرأى الآخر. لكن القناة أحدثت تقبًا هائلًا فى السماء العربية، وأثبتت أنه بإمكان العرب الوصول إلى العالمية.
* وحمد بن جاسم برىء ؟
- لا يوجد أبرياء، قطر هى قطر، دولة عربية تابعة فيها قناة الجزيرة وفيها أكبر فاعدة للقوات الأمريكية، لكن المشكلة أنه إذا كانت قطر صغيرة ننعى عليها أن بها قاعدة أمريكية، فما بالك بمصر الكبيرة. الأمور تقاس إلى الأقدار!
* وكيف ترى عمرو موسى :
- عمرو موسى كذوب يفضحه لسانه !
* وسليم العوا ؟
- العوا يصلح للمنابر الرقيقة، لا لمنابر السياسة
* عبدالمنعم أبو الفتوح ؟
- قيمة حقيقية والبانى الثانى للإخوان بعد حسن البنا
* البرادعى ؟
- خواجه
* مش وارد يتمصر ؟
- يحتاج إلى عمر آخر
* من أقربهم إلى الكرسى العالى ؟
- فى تقديرى أن الصورة لم تتضح بعد
* متفائل بالثورات العربية ؟
- لن يبقى حجر على حجر
* الإخوان المسلمون، تهديد أم متنفس لكبت ؟
- الإخوان قدر، ولكى تكتمل كؤوس الأقدار، أتمنى أن يحكموا هذا البلد، ساعتها فقط ستبط شعبيتهم للأدنى
* والسلفيون ؟
- ظاهرة صحراوية تحتاج إلى تمصير
* المحاكمات الجارية ؟
- هزلية، لأنها تحاكم فاسدين بقانون وضعه فاسدون
* القصيدة ؟
- حزنى الدفين
* المعجزة، هل هى صناعة بشرية لا تحتاج لتدخل السماء ؟
- يد الله تتبدى فى كل شىء
* هل مصر بحاجة لمعجزة ؟
- مصر نفسها معجزة .




