|

احمد سعيد لفى الجول: زلزال أرسنال (1-3): الرومانسية لا تفيد!

 الثلاثاء ، 30 أغسطس 2011 - 0:47
لم أتمكن من مشاهدة لقاء مانشستر يونايتد مع أرسنال، وربما في عقلي الباطن تحاشيت ذلك لأنني تخيلت أنني أعلم إلى ماذا ستنتهي، إذ يعرف عدد من FilGoalers خاصة من أشرف بالتواصل معهم عبر Facebook أنني من مشجعي المدفعجية وعشاقهم. 

ولكن اهتزاز الشباك بثمانية أهداف لم يكن في الحسبان، وصدمتي منها توازي كثيرا ما رأيته على أكثر من موقع وبلوج يخص مشجعي الفريق في إنجلترا وخارجها، وكم هائل من طلقات سريعة من غضب وإحباط ورغبة في التغيير انطلقت على Twitter بالتزامن مع صافرة النهاية من حكم إنجلترا الأول هوارد ويب.

التغيير صرخة جاءت على لسان آلاف إلا رجل واحد .. اسمه أرسين فينجر.

وفينجر هو ومحور الحلقة الأولى في سلسلة من ثلاثة أجزاء تحاول اكتشاف أسباب زلزال الأهداف الثمانية الذي ضرب أرسنال في ملعب غريمه التاريخي مانشستر يونايتد، وأدى بالفعل حتى ولو لم يعترف المسؤولون عن الفريق إلى كتابة كلمة النهاية في مشروع المدرب الفرنسي.

ربما كان يشعر بغضب وبإحباط، ولكنه حتما لا يؤمن بحتمية وضرورة التغيير الآن. ليس لأنه ساذج أو جاهل أو مغرور، ولكن لأنه رومانسي بدرجة بات معها يعيش في عالم أخر مختلف عما تعيشه الكرة في إنجلترا وأوروبا. 

ويتمسك فينجر بقيم ومبادئ مثل عدم أخلاقية صرف مبالغ طائلة على لاعب كرة، ولا إنسانية حرمان موهبة شابة من فرصة التفتح بسبب نجوم يأتي لمعانهم من قيمتهم التسويقية، ورفض بيع أصول ناديه لملاك أجانب لا يمتلكون روح المشجع أو يعرفون ثقافة الفريق وتاريخه. هي قيم رغم نزاهتها كانت صالحة منذ عشر سنوات وأكثر ودخل عليها رهانات في وجه الجميع منذ حضوره إلى إنجلترا وكان يفوز في كل مرة.

اتهموه بالسذاجة حينما جمع زوجات اللاعبين في منتصف التسعينات كي يعلمهم كيفية الطهو للرياضيين، ولكنه انتصر حينما اعترف هؤلاء خاصة المتقدمين في العمر منهم بأن نصائحه أعطت كل منهم عامين على الأقل في مستوى متميز.

اتهموه بالفقر الفني وقصر النظر حينما أصر على ضم لاعبين فرنسيين مغمورين بعد فشلهما في إثبات جدارتهما مع ميلان ويوفنتوس، إلا أنه استطاع بناء مجد كامل لأرسنال على أكتافهما وهما بالمناسبة باتريك فييرا وتييري هنري. 

اتهموه بالغرور والتعالي بسبب رفضه المتكرر تناول كأس من الخمر مع المدير الفني للفريق المنافس وهو من التقاليد المتعارف عليها في إنجلترا، ولكنه فرض عليهم احترامه فيما بعد حينما أوضح أن نشأته وهو طفل في بناية بها "بار" جعلته يدرك أن الخمور تقلل من احترام الرجال في عيون الأخرين وتحولهم إلى بهلوانات.

سخروا منه في موسم 2002 حينما أعلن قبل انطلاق الموسم أن بإمكان أرسنال الفوز بالدوري الإنجليزي بدون التعرض لأي هزيمة، ورغم فشله في تحقيق اللقب هذا الموسم تحديدا، ولكنه انتزعه في الموسم الذي تلاه وبلا خسارة كما توقع، ليصبح أول مدير فني في التاريخ الحديث لإنجلترا يحقق هذا الإنجاز (المرة الأخيرة للقب بلا خسارة كانت مسجلة باسم بريستون نورث إيند في موسم 1888-1889)

فاز في كل رهاناته ضد تقاليد وأعراف الكرة الإنجليزية، ما رسخ في ذهنه أن بإمكانه مواصلة فرض واقعه الخاص، وتجاهل المتغيرات في التاريخ والجغرافيا والسياسة والاقتصاد. وعلى الرغم من أن النتائج تخذله لنحو ست سنوات الآن، فإنه لايزال يرى أن أفكاره ومبادئه لاتزال صالحة للاستهلاك الكروي.


إذا كان من الممكن الفوز بالثنائية الإنجليزية المحلية عام 1998 بلا نجوم وبدون اتباع النموذج الإيطالي الذي أبهر أنفاس العالم حينها (هدافو الكالتشيو هذا الموسم كانوا من بينهم رونالدو، وروبرتو باجيو، وديل بييرو وباتيستوتا)، فإن هذا الأمر لن يفلح الآن مع وجود عائلة جليزر على رأس مان يونايتد، وشيوخ أبو ظبي على رأس مان سيتي، ورومان أبراموفيتش في تشيلسي.

فمن أفكاره مثلا أنه إذا كان سيعطي لاعبا واحدا أكثر من 100 ألف جنيه استرليني في الأسبوع، فهذا يعني إما الاضطرار إلى الاعتماد على ملياردير للتمويل والوقوع تحت رحمة إدارته للنادي، أو رفع أسعار التذاكر الموسمية وهي عقوبة للمشجع وليست ميزة له.
فكرة أخلاقية بلا شك، ولكنها في النهاية كانت أحد أسباب رحيل لاعب مثل سمير نصري (عرض عليه أرسنال 90 ألفا أسبوعيا فيما طلب هو 110 ألفا وتسبب ذلك في فشل التجديد) ولم يمنع وصول 90% من أصول نادي أرسنال بين يدي اثنين من المليارديرات الأجانب أحدهما أمريكي هو ستان كرونكي والأخر أوزبكي-روسي هو أليشير أوسمانوف.

لم يعد من الممكن في ظل التطور الخططي الرهيب في الكرة، وارتفاع مستويات الأندية المتوسطة وزيادة معدلات الإنفاق فيها لجلب المواهب والخبرات، الاعتماد فقط على اللاعبين الصاعدين والشباب بل والمراهقين في تحقيق الفوز بالبطولات أو حتى المباريات الكبرى. فالصاعدون في حاجة ماسة إلى أصحاب الخبرات والألقاب كي يتعلمون منهم ويصعدون على أكتافهم. 

ففيما كان داني ويبليك ورفاقه الصغار يتعلمون من ريان جيجز وبول سكولز وإدوين فان دير سار وواين روني، كان أرون رامسي ورفاقه الصغار يتعلمون من سيسك فابريجاس ونصري وروبن فان بيرسي، الذين لم يفز أي منهم بأكثر من بطولتين مع أرسنال (متوسط أعمار لاعبي يونايتد في المباراة الزلزال كان 23 عاما وشهر واحد أصغر بخمسة أشهر من متوسط أعمار لاعبي أرسنال ما يعني أن صغر السن لم يعد حجة لأبناء شمال لندن).

التخلص من المدير الفني أصبح ضروريا لإعادة بناء فريق منهار. فالبروفيسور فينجر، الذي لايزال أنجح مدرب في تاريخ أرسنال ولكنه أضاف إلى ذلك صاحب أسوأ هزيمة في تاريخه الحديث أيضا، فقد مصداقيته ومرجعيته لدى كثير من المشجعين والأهم لدى معظم اللاعبين. فهم يرون أساليبه لا تجلب بطولة أو تحقق فوزا، يرون استراتيجيته لا ترفع حوائط دفاعية وباتت أيضا لا تنتج موجات هجومية، وأخيرا تقطع رؤوس مواهب شابة في عمر الزهور (أليكس أوكلاد-تشمبرلين الذي دخل أمام يونايتد احتفل قبل أسبوعين فقط بعيد ميلاده الـ18) على مذبح أولد ترافورد.

أصبح تغيير فينجر حتميا لإنقاذ الموسم المقبل (هذا الموسم انتهى بالفعل ولن يستطيع أرسنال الوصول إلى أكثر من مقعد في الدوري الأوروبي) ومحاولة إعادة بث الروح والثقة في اللاعبين الذين ينتظرون مذبحة جديدة الآن في كل المباريات الكبرى في إنجلترا ودوري الأبطال. 

فالرجل الآن أصبح يدير الأمور بمنظور شخصي، إما طريقتي وإما لا، إما إثبات صحة نظرياتي أو الابتعاد تماما، فهو في مثل هذا العمر وبعد هذه الخبرات يخشى أن يقال أنه اضطر إلى تغيير معتقداته وخيانة مبادئه سعيا إلى انتصارات قد لا تتحقق أيضا في حال تطبيق التغيير.

الاختيار الآن ما بين حقن دماء شباب أرسنال، وبدء مرحلة إعادة إعمار فريق وترميم تاريخ .. أو الرهان على مساندة زعيم تاريخي نزيه ولكنه فقد شرعيته وأثبتت الأيام أن أفكاره وخططه الرومانسية لن تفلح في مواجهة واقع قاس يحتاج إلى قائد أكثر عملية في مواجهته.

--

لماذا يهرب اللاعبون من أرسنال بعدما يكتشفهم صغارا ويصقل مواهبهم ويعطيهم شهرة وخبرة كاسحة. هل المال فقط هو السبب؟ هل الطموح؟ هل فينجر نفسه؟ إجابات في الجزء الثاني من "زلزال أرسنال" بعد أيام.



 احمد سعيد

Posted by عمرو فكرى on 9:35 PM. Filed under , . You can follow any responses to this entry through the RSS 2.0.
اوعى ماتسيبش رد

0 comments for "احمد سعيد لفى الجول: زلزال أرسنال (1-3): الرومانسية لا تفيد!"

Leave a reply

تعليقك هاينورنا